سورة النمل - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{غير بعيدٍ} أي مكثاً غير طويل أو غير زمان بعيد كقوله (عن قريب) ووصف مكثه بقصر المدة للدلالة على إسراعه خوفاً من سليمان. فلما رجع سأله عما لقي في غيبته {فقال أحطت} علماً شيئاً من جميع جهاته {بما لم تحط به} ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام مع ما أوتي من فضل النبوة والعلوم الجمة ابتلاء له في علمه، وفيه دليل بطلان قول الرافضة أن الإمام لا يخفى عليه شيء ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه {وجئتك من سبإٍ} غير منصرف. أبو عمرو جعله اسماً للقبيلة أو المدينة وغيره بالتنوين جعله اسماً للحي أو الأب الأكبر {بنبإٍ يقينٍ} النبأ الخبر الذي له شأن، وقوله من {سبأ بنبإٍ} من محاسن الكلام ويسمى البديع وقد حسن وبدع لفظاً ومعنى هاهنا ألا ترى أنه لو وضع مكان {بنبإ} بخبر لكان المعنى صحيحاً وهو كما جاء أصح لما في النبإ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال.
{إنّي وجدتّ امرأةً} هي بلقيس بنت شراحيل وكان أبوها ملك أرض اليمن ولم يكن له ولد غيرها فغلبت على الملك وكانت هي وقومها مجوساً يعبدون الشمس. والضمير في {تملكهم} راجع إلى سبأ على تأويل القوم أو أهل المدينة {وأوتيت} حال، و(قد) مقدرة {من كلّ شيءٍ} من أسباب الدنيا ما يليق بحالها {ولها عرشٌ} سرير عظيم {عظيمٌ} كبير. قيل: كان ثمانين ذراعاً في ثمانين ذراعاً وطوله في الهواء ثمانون ذراعاً، وكان من ذهب وفضة وكان مرصعاً بأنواع الجواهر وقوائمه من يا قوت أحمر وأخضر ودر وزمرد، وعليه سبعة أبواب على كل بيت باب مغلق. واستصغر حالها إلى حال سليمان فاستعظم عرضها لذلك، وقد أخفى الله تعالى على سليمان ذلك لمصلحة رآها كما أخفى مكان يوسف على يعقوب عليهما السلام.


{وجدتّها وقومها يسجدون للشّمس من دون الله وزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السّبيل} أي سبيل التوحيد {فهم لا يهتدون} إلى الحق ولا يبعد من الهدهد التهدي إلى معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وحرمة السجود للشمس إلهاماً من الذلة كما ألهمه وغيره من الطيور وسائر الحيوان المعارف اللطيفة التي لا يكاد العقلاء الرجاح العقول يهتدون لها.
{ألاّ يسجدوا} بالتشديد أي فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا فحذف الجار مع (أن) وأدغمت النون في اللام، ويجوز أن تكون (لا) مزيدة ويكون المعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا. وبالتخفيف: يزيد وعلي، وتقديره: ألا يا هؤلاء اسجدوا ف (ألا) للتنبيه و(يا) حرف نداء ومناداه محذوف، فمن شدد لم يقف إلا على العرش العظيم، ومن خفف وقف على {فهم لا يهتدون} ثم ابتدأ {ألا يسجدوا} أو وقف على {ألايا} ثم ابتدأ {اسجدوا} وسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعاً بخلاف ما يقوله الزجاج إنه لا يجب السجود مع التشديد، لأن مواضع السجدة إما أمر بها أو مدح للآتي بها أو ذم لتاركها، وإحدى القراءتين أمر والآخرى ذم للتارك {لله الذي يخرج الخبء} سمى المخبوء بالمصدر {في السّماوات والأرض} قتادة خبء السماء المطر وخبء الأرض النبات {ويعلم ما تخفون وما تعلنون} وبالتاء فيهما: علي وحفص {الله لا إله إلاّ هو ربّ العرش العظيم} وصف الهدهد عرش الله بالعظيم تعظيم به بالنسبة إلى سائر ما خلق من السماوات والأرض، ووصفه عرش بلقيس تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك إلى ههنا كلام الهدهد.
فلما فرغ من كلامه {قال} سليمان للهدهد {سننظر} من النظر الذي هو التأمل {أصدقت} فيما أخبرت {أم كنت من الكاذبين} وهذا أبلغ من (أم كذبت) لأنه إذا كان معروفاً بالانخراط في سلك الكاذبين كان كاذباً لا محالة، وإذا كان كاذباً اتهم بالكذب فيما أخبر به فلم يوثق به، ثم كتب سليمان كتاباً صورته: من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ: بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى، أما بعد فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين وطبعه بالمسك وختمه بخاتمه وقال للهدهد:


{اذهب بّكتابي هذا فألقه} بسكون الهاء تخفيفاً: أبو عمرو وعاصم وحمزة، ويختلسها كسراً لتدل الكسرة على الياء المحذوفة: يزيد وقالون ويعقوب، {فألقهي} بإثبات الياء: غيرهم {إليهم} إلى بلقيس وقومها لأنه ذكرهم معها في قوله {وجدتها وقومها يسجدون للشمس} وبني الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك {ثمّ تولّ عنهم} تنح عنهم إلى مكان قريب بحيث تراهم ولا يرونك ليكون ما يقولونه بمسمع منك {فانظر ماذا يرجعون} ما الذي يردونه من الجواب. فأخذ الهدهد الكتاب بمنقاره ودخل عليها من كوة فطرح الكتاب على نحرها وهي راقدة وتوارى في الكوة فانتبهت فزعة، أو أتاها والجنود حواليها فرفرف ساعة وألقى الكتاب في حجرها وكانت قارئة، فلما رأت الخاتم.
{قالت} لقومها خاضعة خائفة {ياأيّها المللأ إنّي} وبفتح الياء: مدني {ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ} حسن مضمونه وما فيه أو مختوم. قال عليه الصلاة والسلام: «كرم الكتاب ختمه» وقيل: من كتب إلى أخيه كتاباً ولم يختمه فقد استخف به، أو مصدر ببسم الله الرحمن الرحيم أو لأنه من عند ملك كريم {إنّه من سليمان وإنّه بسم الله الرّحمن الرّحيم} هو تبيين لما ألقى إليها كأنها لما قالت {إني ألقي إلى كتاب كريم} قيل لها: ممن هو وما هو؟ فقالت: {إنه من سليمان} وإنه كيت وكيت. و(أن) فيه {ألاّ تعلوا} لا تترفعوا {عليّ} ولا تتكبروا كما يفعل الملوك مفسرة كقوله {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} [ص: 6] يعني أي امشوا {وأتوني مسلمين} مؤمنين أو منقادين وكتب الأنبياء مبنية على الإيجاز والاختصار.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8